خالد محمــد الباقـــــر يكتب : على نـــار هادئــــــــــة… التلفزيون القومي وشهادة وفاة البوصلة والرؤية

رأي: خطوة برس
⭕ من على منصّة البثّ التي كانت يوماً مرآة الوطن وصوته الجَهور، يطلّ علينا اليوم طيفٌ شاحب، يكسوه الإجهاد ويثقله الغياب. إنّها شاشة الفضائية السودانية، التي باتت أشبه بلوحةٍ رسمها فنانٌ أضناه التيه، فضاعت منها الألوان البهِية، وتبدّدت من قسماتها ملامح التلفزيون القومي العريق.
⭕ لقد أثّرَت الكوارث والظروف الاستثنائية التي عاشتها بلادنا، ولاسيما التمرد الغاشم لقوات الدعم السريع في أيّامها الأولى الحرجة، على كلّ شيء، بما في ذلك نبضُ هذا المرفق الإعلامي الحيوي. نعم، كان للشدّة يدٌ طالت جسد العمل التلفزيوني، فشوّهت الرؤية وأربكت الخطى. ولكن، والزمن يمضي بخطواته الثقيلة، والفترة تكاد تلامس الأعوام الثلاثة، يصبح لزاماً علينا أن نتساءل : ألم يحن الأوان لتلملم هذه المؤسسة العريقة أطرافها؟ كان المأمول أن يكون هذا الزمن كافياً لإعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، واستدعاء الروح الغائبة.
⭕ فالمؤسسة القومية للإعلام ليست مجرد استوديوهات ومعدّات، بل هي ذاكرة شعب ومستودع هويّة. ولكن، ما نشاهده اليوم هو حالة من الضبابية تعتري كل جزء من العملية الإنتاجية؛ فثمة غيابٌ للرؤية الإخراجية الواضحة التي تنسجم مع حجم التحدي والمسؤولية القومية، وبرامج تفتقر إلى عمق التناول، مع إعداد رتيب ومحتوى يبدو وكأنه نتاج ارتجال اللحظة لا ثمرة جهدٍ مدروس.
⭕ إنّ هذه الملاحظات ليست مجرد نقد عابر، بل هي دعوة عاجلة يجب أن تصل إلى سعادة مدير الهيئة، مؤكدة على أن الإشكالية تتجذر في فقدان البوصلة الإعدادية التي تسبق التصوير والإخراج. إن هذا القصور في الإعداد، الذي يمثل الأساس لأي عمل تلفزيوني، يقودنا حتماً إلى أزمة التصوير والإخراج الواضحة للعيان؛ حيث يظهر سوء زوايا التصوير، ورتابة الإضاءة والديكور، وضعف الجودة الفنية العامة، لتعكس غياب الرؤية الإخراجية المتكاملة التي تليق بمؤسسة الدولة الإعلامية.
⭕ إنّ التبرير بالظروف لم يعد كافياً بعد كل هذا الأمد، وعلى الإدارة واجب التدخل المباشر والفوري لإيجاد حلول عملية وناجعة عبر مراجعة جذرية لأقسام الإعداد والبرامج، وتأهيل وتدريب الكوادر الفنية لضمان استعادة الجودة البصرية والتقنية التي تليق بالشاشة القومية. إنّ الشاشات القومية في الأزمات هي خندق الدفاع الأول عن الوعي الوطني ومرجعية الحقيقة، وهي مطالبة اليوم ليس فقط بالبثّ، بل بـالعودة بذات الوجه الذي يليق بمكانتها.
⭕ إنّ استعادة التلفزيون لبريقه ومهنيته هو واجب وطني ومسؤولية تاريخية. فهل تعود البوصلة إلى مسارها، قبل أن تتلاشى آخر بقايا الملامح؟




