رأي

واصله عباس تكتب : أصبحت نازحة محاصرة

رؤي
لم يكن في الوقت متسع وأنا أتهيأ بحسب الظروف التي حدثت في ود مدني عندما توغلت فيها مليشيا الدعم السريع ، لخوض غمار معركة مختلفة ، معركة ملئها المصير المجهول ، والجسد المعلول ، وسيف الحرب المسلول ، بغتة تغيرت كل الموازين ، وإنقلبت الأفراح بالنصر الي خوف وحزن وقلق ، بين عشية وضحاها أصبحت رياح الواقع المرير تهزنا وتنقلنا من مخاوف الي قلق ، ومن ضرب الطبول للافراح ، الي ضرب السلاح ، حينها كانت الجموع تغادر زرافات ووحدانا من جامعة الجزيرة ومن تلك الداخلية (الحميراء مركز الإخاء لا الإيواء ) ، تلك الحميراء التي إحتوتنا وعوضتنا عن الاهل والديار ، بتماسك وتكاتف جميع سكانها ، سيما سكان الطابق الثاني بفلسطين والذين كانوا مضرب المثل في التلاحم والتعاضد ، تدافع الجميع الي بوابات الخروج ، إلا سكان الطابق الثاني فقد تساوت ظروفهم جميعا ، وأصبح الخروج فيه مشقة وبيننا كبار السن المرضي ، وأطفال صغار ، وفتيات لايمكن المغامرة بهن في ظل مانسمع عنه من إنتهاكات ، بجانب أن الجميع يده مغلولة الي عنقه ، سيما والنزوح قد آثر كثيرا علي الموارد المالية للجميع ، خرجنا ووجهتنا شقة في مدينة المنيرة ، أوصلتنا لها (د.ماجدولين ) تلك الأبنوسية التي تفوح سماحة وعطاء ، و(شغب أسيل ) جعل الحياة تدب فيها رغم كل تلك الظروف القاسية ، تعايش الجميع حتي وصل العدد الي 44 شخصا ، عشنا علي الواقع المرير الذي جعل حياتنا رهنا لهاتف سائق مركبة وضعنا فيه جُل الامنيات لينقذ الجميع من هذا الحصار ومخاوف (دعاء) تزداد في ظل إنقطاع التيار الكهربائي الذي سيحول بيننا وسائق المركبة ، علي الرغم من الضغط النفسي والقلق والعدد الكبير للمقيمين ، إذداد الأمر سؤ بإنقطاع للكهرباء والماء ، وأصبحت الأمراض تتهددنا ، سيما المرضي منا الذين إنقطع علاجهم ، وصار القلق يحتل صدور الجميع ، والنظرات الحائرة تتوزع مابين حبوبة حواء مريضة السرطان ، ومابين شقيقتي مريضة الفشل الكلوي ، وفاطمة وحبوبة بتول وبنتها مريضات السكري ، ويتزايد القلق عند النظر الي (إبتهاج وماجدولين ) وأبناءهم ، والأزمة وحساسية الصدر توقد نيرانها في صدورهم ، كانت تلك المشاهد كفيلة بأن لابد من البحث عن مخرج ، فكان المخرج الحقيقي نداءت خفية وصلوات في جنح الدجي ، ودموع من تحت الثوب تسأل الله الخروج من هذا المأزق ، فظل دعاء سيدنا يونس (سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ) يرطب ألسنتنا ، عدنا الي الله والعائد الي الله لايٌضل ولا يشقي ، كان كل يوم يمر فيه ضياع لمريض قد يصعب شفاءه، وباتت كل محاولاتنا بالفشل في توفير علاجات ولو مسكنات ، وعقدنا العزم علي المواجهة لهذا المصير المجهول ، بدل من الركون والانتظار ، وبدأنا في إخراج المتواجدين وتقسيمهم الي مجموعات ، وخرجت أنا في صدر مجموعة ستذهب الي إحدي قري الولاية ، قوامها شباب وشابة ، ويستوجب الامر السير الي اكثر من ثلاث ساعات ذهاب ومثلها عودة ، حتي تكللت المهمة بنجاح بفضل الله حتي كدت أن أسجد شكرا لله في قارعة الطريق وهم يودعوننا بعد ركوبهم لمركبة ستقلهم الي وجهتهم، حملت تجربة الحصار لآكثر من خمسة عشر يوما ، الكثير من الأوجاع والآلم والقلق وأثبتت أن القضاء والقدر والاعمار بيد الله ، ولكن تجربة أضحت بمثابة منخلاً (غربالا) للمواقف المخذية وجعلت الجميع يتحسس مواطئ أقدامهم الحقيقية في مساحات الغير .
وأكثر ماكان يوجع عند ذهابنا لداخلية الجامعة لأخذ متعلقاتنا إننا شهدنا مراحل تدميرها والحطام والركام سيد الموقف في كل بناءتها ، والحزن كان يقتص من قلوبنا ونحن نري ممتلكاتها مدمرة وبقاياها علي قارعة الطريق ، وعيونهم تترقبك في غدوك ورواحك ، وهم يجلسون القرفصاء علي مخارجها ، ولكنهم لايعرفون قيمة مابداخلها ..

رؤي أخيرة
شوق لأهل والصحبة ..بين اليقظة والأحلام أعيشها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى