إبراهيم شقلاوي يكتب : وجه الحقيقة … سد مروي: اكتمال الصيانة وعودة التيار تدريجيًا
رأي: خطوة برس
يمثل سد مروي واحدًا من أبرز المشاريع التنموية والاستراتيجية في السودان، حيث يجسد تطلعات البلاد لتطوير قطاع الطاقة وتحقيق التنمية الاقتصادية. إلا أن تعرض محطة التوليد والخط الناقل الأسبوع الجاري لهجمات بطائرات مسيّرة من قبل مليشيا الدعم السريع يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى الالتزام بحماية الأعيان المدنية وفقًا للقانون الدولي الإنساني، فضلًا عن انعكاسات هذا التصعيد العسكري على الأمن القومي واستقرار البلاد. في هذا المقال نتناول هذه الأبعاد التي تعد تطورًا في مسار الحرب في السودان التي اندلعت في 15 ابريل من العام 2023، جراء محاولة انقلابية قادتها مليشيا الدعم السريع وداعموها المحليون والإقليميون بغرض الاستيلاء على الحكم.
يمثل سد مروي اهمية استراتيجية وتنموية من خلال موقعه في الولاية الشمالية على بعد 350 كيلومترًا شمال العاصمة الخرطوم، وقد اكتمل بناؤه عام 2009 بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف التنموية. يُعد السد المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة الكهربائية، إذ ينتج نحو 1250 ميغاواط، ما يغطي 45% من احتياجات السودان من الكهرباء. كما يسهم في حماية أراضي الولاية الشمالية من فيضانات النيل، ويعزز المشاريع الزراعية والصناعية التي تعتمد على بحيرة التخزين بطول 176 كيلومترًا.
إلى جانب ذلك، يحظى السد بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، إذ يشكل جزءًا من بنية تحتية حيوية تربط بين مختلف ولايات السودان. وقد أتاح وجوده فرصًا لتعزيز الأمن الغذائي وتطوير القطاعات الإنتاجية، ما جعله ركيزة أساسية في مساعي تحقيق التنمية المستدامة.
شهد سد مروي خلال الأسبوع الجاري سلسلة من الهجمات باستخدام طائرات مسيّرة، أسفرت عن أضرار في محطة الكهرباء الرئيسية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدة ولايات، بما في ذلك العاصمة الخرطوم وبورتسودان. وفقًا لتقارير فنية من مصادر بإدارة الكهرباء متطابقة مع تقارير عسكرية، استهدفت الهجمات محولات الكهرباء والمرافق الحيوية الأخرى، رغم تصدي المضادات الأرضية لعدد من الطائرات المهاجمة.
تأتي هذه الهجمات في إطار حملة عسكرية ممنهجة تستهدف البنية التحتية الاستراتيجية، فيما أعلنت مليشيا الدعم السريع عن الخطة “ب”. ورغم أن القانون الدولي يجرّم استهداف الأعيان المدنية، إلا أن الاستخدام المتكرر لهذا التكتيك يكشف عن نوايا تهدف إلى تقويض الاقتصاد الوطني وزعزعة استقرار البلاد، بما في ذلك تعطيل شبكات الكهرباء التي تعتمد عليها مناطق واسعة من السودان في الإنتاج الزراعي والصناعي، بجانب مياه الشرب، مثال ذلك محطة مياه المنارة بولاية الخرطوم التي تغذي محليتي أمبدة وكرري المكتظتين بالسكان.
استهداف مليشيا الدعم السريع لسد مروي يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة المادة (52) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، التي تحظر الهجمات على الأعيان المدنية، باعتبارها لا تسهم مباشرة في العمليات العسكرية. كما يُصنف هذا الفعل ضمن جرائم الحرب وفقًا للمادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويُبرز هذا الاستهداف ضرورة تحقيق دولي لمحاسبة المليشيا عن هذه الانتهاكات، التي تهدد حياة المدنيين وتعرض البنية التحتية الوطنية للخطر، بما في ذلك شبكة الكهرباء التي يعتمد عليها ملايين السودانيين.
لا تقتصر تداعيات استهداف سد مروي على الأضرار المادية المباشرة، بل تمتد إلى إضعاف قدرة السودان على الحفاظ على استقراره الاقتصادي والاجتماعي. إذ يمثل السد محورًا رئيسيًا لشبكة الكهرباء القومية، وأي انقطاع في التيار الكهربائي يؤثر على مختلف القطاعات، بما فيها الزراعة والصناعة والخدمات العامة والخدمات الصحية. كما تعمق هذه الهجمات معاناة المواطنين في ظل أزمات اقتصادية خانقة، وتعرقل جهود تحقيق السلام والتنمية واستعادة الأمن.
إلى جانب ذلك، فإن استهداف منشأة مدنية يثير تساؤلات حول قدرة السودان على تأمين بنيته التحتية الحيوية. ورغم وجود منظومات دفاعية متطورة في سد مروي، إلا أن تصاعد وتيرة الهجمات يكشف عن الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيات الحماية وتعزيز التنسيق الأمني حول محور السد، بجانب أهمية حماية المحطات التحويلية والخطوط الناقلة عبر المراقبة والتحكم، التي كانت تعمل حتى في الأوقات الطبيعية ضمن منظومة التأمين والحماية بالشركة السودانية لخطوط النقل.
تبرز الهجمات على سد مروي أهمية مراجعة الخطط الأمنية الوطنية لحماية الأعيان المدنية والبنى التحتية الاستراتيجية قاطبة، بما يتماشى مع التحديات المستجدة. ويستلزم ذلك استثمارًا أكبر في تطوير أنظمة الدفاع الجوي عبر جهات الاختصاص وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة التي أصبحت سلاحًا مفضلًا في الحروب الحديثة، مع أهمية تحديد مصادر الإطلاق لمجابهة ذلك وفقًا للقانون الدولي.
علاوة على ذلك، فإن معالجة جذور الأزمة تتطلب تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في السودان بحسم مليشيا الدعم السريع وطي ملفها للأبد، واستعادة مسار الحوار السياسي الذي يضمن مشاركة جميع الأطراف بلا استثناء في صياغة مستقبل البلاد. فاستمرار الأعمال العدائية لا يهدد فقط المشاريع التنموية مثل سد مروي، بل يعرض البلاد بأكملها لخطر التفكك والانهيار.
في السياق، أكد مصدر مسؤول في إدارة الكهرباء أن العمل جارٍ حاليًا في إصلاح جهاز التنظيم ” reactor” بجانب الخط الناقل للكهرباء، لا سيما مروي-المرخيات، بعد استكمال أعمال الصيانة في المحطة التحويلية بسد مروي. وأضاف المصدر أن الجهود المكثفة التي تبذلها فرق الصيانة تهدف إلى إعادة التيار الكهربائي في أسرع وقت ممكن، متوقعًا عودة الخدمة خلال الساعات القادمة، وذلك لتخفيف المعاناة عن المواطنين واستعادة الاستقرار في المناطق المتأثرة بانقطاع الكهرباء.
عليه بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، يشكل استهداف سد مروي إنذارًا خطيرًا حول خطورة التصعيد العسكري على الأعيان المدنية والبنية التحتية الوطنية. ويظل الحفاظ على هذه الأعيان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الأمن القومي التي يتعين على السودان تبنيها لضمان استقراره وازدهاره في وجه التحديات المتصاعدة.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 17 يناير 2025م.
Shglawi55@gmail.com