إبراهيم شقلاوي يكتب : وجه الحقيقة… الإطار التكتيكي للمرحلة الثالثة من مسار العمليات
رأي: خطوة برس
إعلان الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني ، العميد الركن نبيل عبد الله عن إكمال المرحلة الثانية من العمليات العسكرية ضد مليشيا الدعم السريع هذا الإعلان في المفهوم العسكري يعني أن هناك خطة من عدة مراحل وقد تم اكتمال المرحلة الأولى والثانية ، الآن يجري الانتقال لمرحلة ثالثة والتي ربما تكون الاخيرة في تطور الحرب في السودان ، في هذا المقال نحاول تفكيك هذا التصريح الذي يحمل في طياته أبعادًا عسكرية وأمنية ، وسياسية قد تبدو معقدة بعض الشيء لكن دعونا نستعرض ذلك خلال تطور مراحل الحرب ضد مليشيا الدعم السريع وداعميها المحلين و الإقليميين . هذا الإعلان جاء متزامنًا مع سلسلة من الانتصارات النوعية ، أبرزها استعادة جبل مويه ومدينة سنجة وتحرير ولاية الجزير وقاعدة الزرق ثم فك الحصار عن سلاح الإشارة والقيادة العامة ، واستعادة مصفاة الخرطوم للبترول.
على المستوى الميداني اعتمد الجيش علي تكتيكات عسكرية منوعة بهدف امتصاص الصدمة و استنزاف قدرات العدو اللوجستية واستدراجه ، هذا بجانب تحييد مراكز القيادة والسيطرة وشبكات الإتصال وقياداته التي نالت تدريبات نوعية في حرب المدن وجرى اعدادها لهذه المعركة الخاسرة التي اندلعت في 15 ابريل من العام 2023 التي انتقلت اهدافها الكذوب من الاستيلاء علي السلطة إلى محاربة فلول النظام السابق ، إلى استعادة الديمقراطية ، ثم القضاء علي نفوذ دولة 56 .
اعتمد الجيش السوداني علي التقسيم المرحلي للمعارك وهي ما يعرف في الكلية الحربية السودانية باستراتيجية التدرج التي تهدف إلى تحقيق مكاسب متراكمة ، مما يضمن تقليل الخسائر البشرية والمادية . بجانب التكتيك المحوري والتطويق ، تجلت هذه الاستراتيجية في اربعة عمليات مفتاحية كانت الأولى في تحرير مدينة ام درمان التي بدأت باستعادة الاذاعة القومية ثم التحام القوات القادمة من كرري مع قوات سلاح المهندسين ، الثانية كانت تحرير جبل مويه وطرد المليشيا من مدينة سنجة ، الثالثة كانت تحرير مصنع السكر والحاج عبد الله الذي فتح الطريق إلى تحرير مدينة ود مدني ، الرابعة التقاء القوات القادمة من بحري وأم درمان مع سلاح الإشارة والقيادة العامة ، ما أربك دفاعات مليشيا الدعم السريع وأضعف قدرتها على إعادة الانتشار والمحافظة علي الأرض .
هذه العملية سبقها عبور الجيوش إلى قلب العاصمة عبر الجسور ، الانقاذ والنيل الأبيض وجسر الحلفاية . هذا بالإضافة إلى انفتاح سلاح المدرعات في حدود المسؤلية والذي نتج عنه استعادة مراكز حاكمة . كذلك تحرير محاور مهمة مثل أبراج السلطان والحلفاية ومجمع داخليات ابراهيم مالك أعاد هيكلة شبكة الإمدادات ، مما عزز من كفاءة التنسيق العملياتي بين مختلف وحدات الجيش . كذلك استفادة الجيش من القوات الخاصة في العمليات الخاطفة وتكتيكات حرب المدن ، والقضاء على أنظمة الإتصال والامداد للمليشيا ، التي أصبحت تائهة .
على الصعيد الداخلي ، عكست المرحلة الثانية قدرة الجيش السوداني على استعادة المبادرة وتحقيق انتصارات ميدانية ذات أبعاد استراتيجية ومعنوية كبيرة ، مما عزز ثقة الشعب في القوات المسلحة كحامٍ للسيادة الوطنية. أما خارجيًا ، فقد أثبتت هذه العمليات أن السودان دولة قادرة على حماية مصالحها الحيوية وإدارة أزماته الأمنية بمعزل عن التدخلات الخارجية . بالمقابل أظهرت هذه التطورات ضعف مليشيا الدعم السريع التي فقدت قدرتها على الصمود في وجه القوات المتقدمة للجيش السوداني ، خاصة تلك التي استهدفت خطوط الإمداد والبنية اللوجستية وتحييد قيادات الصف الاول .
مع دخول الجيش السوداني في المرحلة الثالثة من العمليات “كسر العظم” ، يبدو أن هذه المرحلة ستُشكّل نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب . يتوقع أن تركز هذه المرحلة على تطهير المناطق الريفية والنائية ، ومواصلة عمليات تنظيف المدن الكبرى مثل الخرطوم وأم درمان وبحري وشرق النيل من دنس التمرد باستخدام تكتيكات “الاشتباك المحوري” و”السيطرة العميقة”.
لضمان عدم وجود ملاذات آمنة لبقايا المليشيات . بالإضافة إلى تعطيل الإمدادات الخارجية ، من خلال السيطرة على الحدود وتكثيف المراقبة الجوية وقد بدأ ذلك بالفعل من خلال القوات المشتركة التي استطاعت بسط سيطرتها بنسبه كبيرة علي خطوط امداد المليشيا خلال الايام الماضية . هذا بجانب استكمال استهداف القيادات الميدانية عبر عمليات نوعية لشل قدرة المليشيات على التنظيم وإعادة الهيكلة بجانب نشر وحدات عسكرية صغيرة وفعالة لتوسيع نطاق السيطرة وضمان استمرارية الضغط الميداني .
بالرغم من ذلك تظل هناك أهمية بالغة للأبعاد السياسية للمرحلة المقبلة، نجاح العمليات العسكرية سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحوار السياسي الداخلي ، حيث ستتاح فرصة لإعادة بناء نظاما سياسيا مستقرا يستند إلى الإرادة والمشاركة الوطنية لكل أهل السودان بحسب مواقفهم من الحرب وإسنادهم للقوات المسلحة . كما أن الانتصار العسكري سيعزز من قدرة السودان على جذب دعم الأصدقاء لعمليات إعادة الإعمار ، ما يمثل خطوة جوهرية نحو التعافي الوطني . التحولات الميدانية الأخيرة تشير إلى قرب نهاية الحرب ، لكن التحدي الأكبر سيكون في ضمان استدامة الأمن . ذلك يتطلب من الحكومة تبني مشروع وطني تنموي شامل يحقق العدالة الانتقالية ويعزز سيادة القانون .
هذا الانتصارات ترسل رسالة قوية إلى القوى الإقليمية والدولية التي تدعم مليشيا الدعم السريع بأن الجيش السوداني قادر علي السيطرة واستعادة الأمن . كما أنه يعزز موقف السودان في المحافل الإقليمية والدولية ، فإن النهج الحالي للجيش السوداني في إنهاء التمرد يؤكد الثقة في قيادته ويجعل التحدي الحقيقي في بناء مؤسسات سياسية وأمنية قادرة على تحصين البلاد ضد أي تهديدات مستقبلية. فإن تصريحات الفريق أول عبد الفتاح البرهان في اجتماع القيادة العامة عن عدم التفاوض مع المتمردين تُرسل رسالة واضحة بأن السيادة الوطنية خط أحمر ، وأن الخرطوم ستظل عصية على الأطماع .
بحسب ما نراه من وجه الحقيقة أن الجيش السوداني يستعد لكتابة الفصل الأخير في هذه الحرب . ومع استمرار تحقيق الانتصارات الميدانية تزداد فرص استعادة السودان لاستقراره ومكانته الدولية والإقليمية . ومع ذلك تبقى الوحدة الوطنية والوعي هما العاملان الحاسمان في طي صفحة هذه المرحلة الصعبة من تاريخ السودان .
دمتم بخير وعافية .
الإثنين 27 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com