خـالـــد محـــمد الباقــــر يكتب : عـــــلى نــــار هادئــــة…العدالة مابين الحق والواجب

رأي: خطوة برس
تعتبر قضية العدالة في الرواتب والامتيازات بين موظفي الدولة أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومات في العديد من البلدان. في سياق بلادنا، تتجلى هذه القضية بوضوح من خلال الفجوة الكبيرة بين الرواتب في الوزارات السيادية وغيرها من القطاعات مثل التعليم والصحة والقوات المسلحة. يتمثل الخلل الأساسي في غياب المساواة بين المؤسسات، مما يؤدي إلى حرمان العديد من الموظفين المجتهدين من حقوقهم.
إن التباين في الرواتب يعد تجسيدًا لنظام لا يكرّم العمل الجاد، بل يعزز التميز والتفاوت بين الأفراد. فعندما يحصل موظف في وزارة سيادية على رواتب فلكية، بينما يتقاضى بقية الموظفين “فتات” الأجور، يتم تجاهل قيم العدالة الاجتماعية التي ينبغي أن تسود في كل نظام حكومي. فهذا التفاوت لا يؤدي فقط إلى استياء الموظفين، بل يزرع مشاعر الإحباط ويعزز الشعور بالإهمال بين المواطنين الذين يسعون بجد لتطوير وطنهم ومؤسساتهم.
تحتاج البلاد إلى تناول هذه القضية بشكل جاد، والبحث في طرق فعالة لتصحيح المسار. يتطلب ذلك استراتيجيات فعالة تهدف إلى تحسين الخدمة المدنية وإعادة التوازن بين المؤسسات. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجيات إجراء مراجعة شاملة للرواتب والمزايا، بحيث يتمكن كل موظف من الحصول على تعويض عادل يتماشى مع جهوده ومساهماته. وهذا لا يمثل مجرد تغيير مالي، بل هو خطوة نحو إرساء قيم العدالة والمساواة التي يجب أن تكون ركيزة أساسية في أي نظام حكومي يسعى لتحقيق الصالح العام.
تُعتبر فوضى البطالة والفائض من الموظفين في بعض المؤسسات الحكومية جزءًا من هذه المشكلة. حيث نجد أن العديد من هؤلاء الموظفين لا يؤدون مهامًا حيوية تسهم في تحسين الخدمات، ومع ذلك يستمرون في التمتع بمزايا مالية كبيرة. هذه الحالة تساهم في تعميق الفساد الإداري، حيث تخلق بيئة من عدم المسؤولية والتمييز بين العاملين. إذ تصبح بعض الفئات محمية بمزايا غير مستحقة، بينما يُحرم آخرون من الاعتراف بجهودهم.
إذا كانت البلاد تريد تصحيح المسار وتعزيز الثقة بين المواطنين في نظامها الحكومي، فلا بد من معالجة هذه الفجوات بشكل فعال. إن الخطوة الأولى هي الاقتناع بأن العدالة ليست مجرد شعار، بل يجب أن تكون ممارسة جادة تُعزز الثقة في المؤسسات الحكومية. لذا، يتطلب الأمر التزامًا حقيقيًا من قبل الحكومات ومؤسسات الخدمة المدنية نحو فصل الحقوق عن الواجبات، وتحقيق التوازن بين ما تقدمه الوزارات المختلفة وما يحصل عليه الموظفون داخلها.
فإن العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمة المدنية ليست مجرد أهداف بل هي ضرورة يجب أن نسعى لتحقيقها بشكل فعال. يتطلب ذلك العمل على تحقيق توازن بين مؤسسات الدولة المختلفة، ومعالجة مسألة الرواتب والمزايا بشكل يضمن كرامة كل مواطن ويعزز من تطلعاته نحو مستقبل أفضل. بدون هذا التصحيح، ستظل الثقة في الأنظمة الحكومية مهزوزة، وستستمر عقبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في النمو.