في حضرة المك متوكل دكين مك عموم البوادرة (3) الجزء الاخيرة

حوار : رمزي حسن
نواصل حوارنا مع المك متوكل دكين مك عموم البوادرة الحلقة الاخيرة
هل خاضعو معركه اخري؟
المعركة الثانية التي خاضها البوادرة مع الجهدية في عهد خليفة المهدي عبدالله التعايشي إسمها (سدر الهجوكات) والهجوكات منطقة معروفة وهي الآن قرية إسمها الهجوكات شمال القضارف على بعد ٢٠ كيلو متر وتتبع لمحلية وسط القضارف وتقع في وسط دائرة تتوسط الكراديس القديمة وودشعبوط القديمة وأم شجرة..
في هذه المعركة فقد البوادرة عدد كبير من فرسانهم وذلك بسبب ضرب النشّاب حيث كان الجهدية يرمون بالنشاب من على البعد ورغم ذلك إستبسل البوادرة إستبسالا شديدا وفقدوا عددا كبيرا من فرسانهم حتى تراجع جهدية التعايشي إلى منطقة القدمبلية وبدأو يعدون العدة للملاقاة الفاصلة في آخر معركة والتي كانت قاصمة ظهر للبوادرة..
شاركت في معركة سدر الهجوكات كل فروع البوادرة ولكن الأغلبية كانت من فرع الأقوياب لأنهم هم الذين كان يستهدفهم جهدية التعايشي بسبب الخلاف مع زعيم البوادرة الأمير عبدالله ود شرف الشهير ب عبدالله ودمادا..
إلى لقاء في المعركة الفاصلة والتي سأسرد تفاصيلها وتفاصيل كثيرة غيرت مسار البوادرة الإجتماعي والطائفي والإقتصادي أيضا..
هناك موقف مشهود ابان مجاعةسنة 6 كلمنا عنه؟
بعد وفاة الإمام المهدي بعد فتح الخرطوم بستة أشهر تولى الخلافة من بعده الخليفة عبدالله التعايشي الملقب بودتورشين.
جَيَّش الخليفة كل الأمة السودانية وجلب أهله من قبائل البقارة في غرب السودان إلى العاصمة أم درمان وانخرط كل السودانيين في الجيش وترك الناس الزراعة ظناً منهم أنهم سيحررون كل العالم ويغزون مصر ثم بعد ذلك يركبون البحر لغزو ملكة بريطانيا وإحتلالها كما وعدهم الإمام المهدي ومن بعده خليفته الظالم الذي كان يدعي أنه يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وأن كل مايفعله هو بأمر النبي والخضر وبمباركة الخلفاء الأربعة الذين يأتون إليه في حضرة كما كان يزعم..
تصادف مع إنخراط المزارعين في الجيش أيضا جفاف وقحط وعدم نزول الأمطار في العام ١٨٨٨م والذي يوافق سنة ١٣٠٦ هجرية..
فضربت المجاعة البلاد وأكل الناس الجلود ولحى الأشجار بل وصل الأمر ان بعض الناس في مناطق مختلفة أكل بعضهم بعضا ومات خلق كثير من اهل السودان وحسب إحصائية موثوقة بدار الوثائق القومية كان عدد السودانيين حوالي ٦ مليون نسمة حسب تعداد الحكم التركي الأول الذي سقط على يد الأمام المهدي في فتح الخرطوم في يناير عام ١٨٨٥م..
وبعد المجاعة في عهد الخليفة أصبح سكان السودان مليون ونصف المليون فقط أي فقد السودان جراء هذه المجاعة أكثر من أربعة مليون وخمسمائة الف نسمة.
ويقال أن الناس لم يموتوا بالجوع في سنة ستة وإنما كان الموت الأكثر في سنة سبعة لأنها طبقت سنة ستة وكانت ايضا قحط ولم تنزل فيها الأمطار أيضا..
وقد ارخ الشعراء السودانيين كثيرا من الأشعار لهذه المجاعة ومايؤكد أن سنة سبعة أيضا كانت مرادفة لستة قول أحدهم:-
ستة وسبعة الكَمّلَن العرب بالجوع
الميت مجندل والفضل متبوع..
ومتبوع اي يقصد به من سلم من المجاعة فقد مات في حروب المهدية الظالمة الباطشة..
باع الناس كل مدخراتهم من الذهب والبهائم وكانت دبوكة الإبل تتم مقايطتها بكيلة ذرة وأحيانا بالملوة من الذرة..
كثر السلب والنهب والقتل لمجرد الأكل والشرب وأصبح الناس قيمان وكان الرجل يمر بأخيه ويراه محتضرا ولا يلتفت إليه حتى يموت..
إما في القضارف فكان الناس أحسن حالا من بقية مناطق السودان حيث الذرة الوفيرة وكانت الزراعة بالحريق والبلدات ورغم ذلك كانت المطامير مليئة بالذرة ففتح البوادرة مطاميرهم لأهل السودان في عام ستة واغاثوا الناس ونضب مافي مطاميرهم خلال فترة وجيزة..بعد ذلك صاروا مثلهم مثل بقية السودانيين وماتوا موت الضأن بسبب الجوع..
من أشهر فرقان البوادرة التي أفنيت عن بكرة أبيها وهي فرقان معروفة ولازالت تحمل إسمها وهدأغلبها الآن مناطق زراعية..
*فريق مزمل وهي منطقة تقع شمال أم شجرة وتبعد مسافة ٢ كيلو متر وكان يسكنها بوادرة صعباب.
*منطقة جبل قَنْدَوتْ ووهي تقع شرق ام شجرة وتبعد عنها مسافة ٥ كيلو وهي الجبل أو القلعة الصغيرة التي تقع شمال غرب وجوار طلمبة محمد الطيب يوسف وكان يسكن فيها أهلي العنانيف الاقوياب أولاد عناف وماتوا فيها عن آخرهم ولم ينجو منهم إلا رجلين وإمرأة وذريتهم متوزعة الآن بين أم شجرة وخشم القربة وقرية عبودة والكراديس.
والسبب الذي أفناهم هو أنهم كانوا يشيدون زريبة كبيرة من الشوك ويدخلون فيها النساء والاطفال لكي لايخرجوا بسسب إشتداد الجوع ويحرس الزريبة أربعة من رجالهم الاشداء ثم يخرج بقية الرجال للبحث عن الذرة وعندما يعودون بعد أيام يجدون أن نصف من كان بالزريبة قد توفى بسبب الجوع وهكذا إستمر الحال حتى أفنوا عن آخرهم وكان هذا حال كل فرقان البوادرة في تلك المجاعة..
منطقة الحدبة وهي في الكريق بين ودكابو أم شجرة وهي الآن بلدات زراعية وكان يسكنها البركاب فماتوا عن آخرهم ولم يتبقى منهم إلا القليل..
*منطقة أم نعامة وهي الآن بلدات زراعية وتقع في المسافة الواقعة بين ودكابو وأم شجرة وكان يسكنها النعوراب وهم بطن من بطون الحضيرياب وقد افنوا عن آخرهم ولم يتبقى منهم إلا رجل أو رجلين.
منطقة ودبُلة وتقع شمال شرقي قرية ودشعبوط القديمة وأغلب سكانها كانوا بعض من العالياب وأفنوا عن آخرهم في تلك المنطقة والعالياب من الفروع الكبرى ولذلك بعد المجاعة بعدة سنوات ماتبقى من الفرقان الأخرى قاتلوا جيش المهدية في معركة حدبة قمح التي ذكرناها في منشور سابق..
*منطقة السرف وكان يسكنها فريق ضخم من الأقوياب واطلق عليهم لقب السروفاب ومات منهم عدد كبير جدا وهاجر بعضهم إلى منطقة الجزيرة ولازالوا موجودين هناك في قرية كبرى تحمل إسمهم..
*منطقة الصلحاب وهي الان منطقة زراعية تقع شمالي قرية الكراديس القديمة وهي الآن بلدات اهلنا الكراديس ولازال أهل الكراديس حتى اليوم يسمون هذه المنطقة بالصلحاب وقد كان يسكنها فرع الصلحاب وماتوا أيضا في تلك المجاعة الشهيرة ومنهم من هاجر أيام المجاعة إلى الجزيرة حيث شواطئ النيل..
ومن الفروع التي أفنيت أيام المجاعة وهاجر ماتبقى منها بالإتجاه غربا حيث النيل هم فرع الحسناب ولازالت لهم أسر كبيرة في حنتوب وقرية الكاهلي زيدان وقرية عمارة البنا..وفرع الحمداب ولازالت لهم أسر في عبودة وقريقس وشلكي..
وفرع الصلحاب والمقاودة وهم تقريبا في الهلالية والصعباب في الفاو.
أكثر الفروع التي لم تتأثر بالمجاعة كثيرا رغم أن بعضهم قضى فيها وهم الشميلياب والحمداب والشماشة الأقوياب والسبب في ذلك أن الشماشة كانوا في ريرة وكانوا مشهورين بإمتلاك الإبل لايفوقهم في ذلك فرع أو قبيلة إلا أن سنة ستة أيضا لحقت بهم جراء الجدب والمحل الذي تواصل في عام سبعة الذي اردف ستة أيضا..
أما الشميلياب فقد كانوا يتوجهون جنوباً بعد حصاد الذرة ولذلك سلم أغلبهم من المجاعة وكذلك الحمداب كانوا يسكنون بالقرب من حلة حسن المعروفة الآن ولازالت المنطقة الزراعية بالقرب من حلة حسن حتى اليوم تحمل إسمهم (بلدات الحمداب)..
وقبل عام المجاعة بسنة حصدوا كل محصولهم وتوجهوا بأبقارهم شرقا وأستقروا بجوار قبيلة الحمران وخاضوا معهم معارك عنيفة كان بطلها أولاد شيب وجبارة ودالتوم الملقب بالمعقّر كناية عن كثرة الملاقي والسيوف والنشاشيب التي إنغرست في جسده..
*منطقة أم دبيب وهي ارض تتوسطها القلعة المعروفة التي الآن بها ضريح الشيخ الصافي من السادة الصادقاب وأم دبيب قديما كان يقال لها (أم دبيب الحارنة سكانها مكوك وسدارنة) ولا أدري ماعلاقة السدارنة بالمكوك والذين مقصود بهم البوادرة في هذه المنطقة ولكن ما أعرفه هو أن فريق ضخم من البياضة كان يسكن هنا في منطقة أم دبيب وتعرضوا أيضا للمجاعة فهاجر بعضهم إلى قيلي القديمة قبل أن يعودوا داخل البطانة مرة أخرى وأعتقد أن بعضا من عقابهم موجود الآن بالجملون والبريسي..
للحديث بقية وسأتحدث عن كثير من أجزاء من فروع البوادرة التي تاهت في المجاعة والتي هاجرت غربا بإتجاه النيل وذابت في تشكيلات مجتمعية أخرى وسأتحدث أيضا عن تشكيلات وتأسيس القرى الموجودة الآن ماقبل واثناء وبعد المهدية..
كسرة:-
المناطق المذكورة أعلاه لازالت بها آثار مقابر وفي مواسم الخريف والأمطار الغزيرة يظهر فيها الخزف والسكسك والودِع وهي دليل دامغ لوجود حياة زاخرة كانت هنا هذا فضلا عن أن الروايات المتناقلة والشفاهية لازالت تتحدث عن أن هنا كانت فرقان وكانت حياة باذخة عاشها أسلافنا قبل أن تقضي عليهم مجاعة سنة ٦ الطاحنة وجهدية المهدية البغيضة التي إتسمت بعنف ولازال الناس حين ينصحون شخص تعدي على أحد في مال أو أرض يقولون له إنت قايل الدنيا مهدية وللا جهدية أو حكمك حكم جهدية ومهدية..
اما عن حي روينا داخل مدينة القضارف وعلاقة البوادرة بها؟
هذه المنطقة كان يسكنها سكان قرية الكراديس الحالية والتي تبعد الآن من مركز المدينة حوالي 20 كيلومتر..
تعود التسمية إلى أن الجد الشيخ محمد الأمين الكردوسي كان يسكن بالقرب من قلعة (نذُر) وقلعة نذُر هي الإسم القديم لجبل الجيش الحالي والتي الآن بها رئاسة الفرقة التانية مشاه.. وكان الكردوسي يجاور الشيخ مكي الشابك.. وبعدها أسس خلوة لتعليم القرأن بروينا الحالية وقد حفر بئر بالمنطقة كانت البئر ماؤها قليلا لايكفي الناس والبهائم فقال لهم الشابك احفروها مع مطلع الفجر بترويكم وفعلا قاموا بذلك وانبعث الماء غزيرا وارسلوا احدهم الى مكي الشابك وقالوا له(قول لي شيخنا نحن روينا) فكان رده ان قال لهم سميناها روينا وللشيخ محمد الأمين الكردوسي كرامة تروى عن هذه البئر بعد مرور سنوات من حفرها.
بعد ذلك رحل الكراديس الى منطقة عنف الداره وبعدها إلى منطقة عدالطين ومكثوا بها فترة كان هذا في فترة الترحال قبل قيام المجمعات السكنية وهي ما تعرف بفترة القروية الممتدة إلى يومنا هذا وأخيرا إستقر أبناء الكرديس بقرية الكراديس القديمة..
مكي الشابك متوفى قبل أكثر من 200 عام.
ولازالت ذريته متوزعة بين قرية غبيشة ودلسات وابايو وأم شجرة..
وهو مدفون الآن بقمة الجبل الذي يقع جنوب المستشفى العسكري الحالي
:يقولون اول من باع واشتري في منطقة السوق الحاليه بمدينة القضارف ينتمي للبوادرة ما القصة؟
نعم أول من باع وإشترى في منطقة السوق الحالية هو الزعيم بابكر ودالطائف البوادري الشميليابي..
فقد باع مائة رأس من الإبل لأحد أفراد قبيلة القواسمة إحدى فروع قبائل رفاعة واصطحبه حتى وصل الدندر بداية مضارب أهله ثم عاد راجعا إلى مضارب أهله في قرية العمارة التي تقع شرق مدينة القضارف على مسافة 8 كيلومترات من مركز سوق القضارف الحالي..
واصبح الناس بعد ذلك يبيعون ويشترون في هذا السوق الذي تطور بشكله الحالي..
وقد كان مركز المدينة وسوقها الرئيسي قبل ذلك في منطقة عصار جنوب القضارف.. حتى جاء الإنجليز ونقلوا السوق إلى منطقته الحالية بشكل رسمي..
حدث ذلك في العام 1885م العام الذي فتحت فيه الخرطوم على يد المهدي وأنصاره..
كان لودالطائف علاقة مميزة مع الإمام المهدي حيث بايعه في قدير بصحبة الأمير عبدالله ودمادا ومعهم اربعون رجلاً من فرسان قبيلة البوادرة