المخطط العدائي الإماراتي على الشعب السوداني.. أبعاد التدخل.. ومآلات الصراع

الكلام الدغري
بقلم : هشام احمد المصطفي ابوهيام
المقدمة
شهدت العلاقات السودانية الإماراتية خلال السنوات الماضية تحولات دراماتيكية، انتقلت من التعاون الاقتصادي والدعم الإنساني الظاهري إلى تدخلات عسكرية وأمنية واقتصادية مثيرة للجدل، بلغت حد اتهام دولة الإمارات بلعب دور عدائي ضد وحدة السودان واستقراره. ومع احتدام الحرب الداخلية في السودان منذ أبريل 2023، بدأت تتكشف ملامح ما يعتبره كثيرون “مخططًا عدائيًا” تقوده الإمارات بهدف زعزعة استقرار السودان، تمهيدًا لتحقيق أجندات استراتيجية تتعلق بالثروات والموانئ والتحالفات الإقليمية.
—
أولاً: خلفية التدخل الإماراتي في الشأن السوداني
منذ سقوط نظام البشير في أبريل 2019، كثفت الإمارات وجودها السياسي والاقتصادي في السودان، مستفيدة من حالة الارتباك السياسي التي سادت المرحلة الانتقالية. وظهرت أبوظبي كأحد أبرز الداعمين لمجلس السيادة آنذاك، خصوصًا عبر تقديم الدعم المالي، وتمويل بعض المشاريع.
لكن تحت هذا الغطاء السياسي، بدأت الإمارات بتمكين وكلاء محليين وتشكيل شبكات مصالح اقتصادية تتغلغل في الذهب والتجارة والنقل والموانئ، ما خلق شكوكًا واسعة وسط السودانيين بشأن نواياها الحقيقية.
—
ثانيًا: الدعم العسكري لقوات الدعم السريع
مع اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، اتجهت أصابع الاتهام مباشرة نحو الإمارات بدعمها المباشر لقوات الدعم السريع.
وتقارير أممية ومصادر استخباراتية تحدثت عن:
شحنات أسلحة تصل إلى قوات الدعم السريع عبر تشاد وليبيا.
تمويل مالي ضخم استخدم في تجنيد المرتزقة وشراء المعدات العسكرية.
دعم سياسي وإعلامي لقادة الدعم السريع عبر منصات إعلامية محسوبة على الإمارات.
هذا الدعم عزز قدرات الدعم السريع، ومكّنه من السيطرة على مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، إضافة إلى ارتكاب انتهاكات مروعة ضد المدنيين، لا سيما في دارفور.
—
ثالثًا: تهريب الذهب ونهب الموارد السودانية
تُعد الثروات الطبيعية السودانية، وعلى رأسها الذهب، من أهم أسباب الأطماع الخارجية، وقد لعبت الإمارات دورًا محوريًا في هذا المجال. فمن خلال علاقاتها بقادة الدعم السريع وبعض رجال الأعمال المحليين، سهلت عمليات استخراج الذهب خارج رقابة الدولة، ونقله إلى دبي.
وتشير تقارير دولية إلى:
تهريب كميات ضخمة من الذهب دون المرور عبر بنك السودان المركزي.
تورط شركات مملوكة أو مرتبطة بالإمارات في أنشطة التعدين غير القانونية.
استنزاف الاقتصاد السوداني عبر فوضى تجارية تنخر في جسد الدولة المنهكة.
رابعًا: تفكيك الدولة وتغذية الصراع الأهلي
ما يُثير القلق ليس فقط البُعد الاقتصادي أو العسكري، بل الجانب الأخطر في المخطط الإماراتي هو تغذية النزاعات القبلية والمناطقية لتمزيق النسيج الاجتماعي السوداني، خاصة في دارفور وكردفان.
فالدعم النوعي لبعض المليشيات، ومحاولات شراء الولاءات عبر المال والسلاح، أسهم في تحويل الصراع من مواجهة عسكرية إلى صراعات إثنية تهدد بخلق سيناريوهات مشابهة لما حدث في ليبيا واليمن.
خامسًا: أهداف الإمارات من التدخل في السودان
المخطط الإماراتي لا ينبع فقط من رغبة في السيطرة أو الغنائم، بل من أهداف استراتيجية أوسع، يمكن تلخيصها في الآتي:
1. الهيمنة على موانئ البحر الأحمر: الإمارات تسعى لإضعاف السودان كدولة ساحلية قوية، لتبقى مسيطرة على موانئ مثل بورتسودان أو تسعى لتشغيلها عبر شركات تابعة لها.
2. ضرب العمق الزراعي لصالح الأمن الغذائي الإماراتي: إذ تحاول شراء الأراضي الزراعية أو السيطرة عليها في ظل غياب دولة مركزية قوية.
3. خلق حلفاء تابعين داخل السودان: عبر دعم فصائل أو قيادات عسكرية تخدم مصالحها بعيدًا عن الإرادة الشعبية.
4. تقويض النفوذ المصري والتركي في السودان: وذلك من خلال إزاحة أي قوة إقليمية تعتبرها منافسة في المنطقة.
سادسًا: ردود الفعل الشعبية والرسمية
رغم التعتيم الإعلامي، بدأت أصوات سودانية كثيرة، سواء من النخب أو الشارع، تتحدث علنًا عن “الاحتلال غير المباشر” الذي تمارسه الإمارات. فخرجت حملات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بطرد الشركات الإماراتية، ووقف التعامل معها.
أما على الصعيد الرسمي، فالقوات المسلحة السودانية بدأت تُلمّح، بل وتُصرّح أحيانًا، بتورط دول إقليمية – في إشارة واضحة للإمارات – في دعم التمرد والفوضى. كما ظهرت محاولات لتقريب العلاقات مع دول أخرى لموازنة التأثير الإماراتي، مثل تركيا وقطر.
سابعًا: موقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة
حتى الآن، لم تتخذ الأمم المتحدة موقفًا صارمًا من الدور الإماراتي، رغم تسليط الضوء عليه في تقارير الخبراء الدوليين. ويُعزى ذلك إلى النفوذ المالي والسياسي الكبير للإمارات في مجلس الأمن وبعض العواصم الغربية.
لكن هناك بوادر ضغط من منظمات حقوقية، ووسائل إعلام غربية بدأت تفتح ملفات التدخل الإماراتي في السودان، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
ثامنًا: المخاطر المستقبلية للمخطط الإماراتي
إذا استمر المخطط الإماراتي دون رادع، فإن مستقبل السودان مهدد بعدة سيناريوهات كارثية:
تقسيم فعلي للسودان إلى مناطق نفوذ متنازعة.
فقدان الدولة لمواردها الاستراتيجية، مثل الذهب والزراعة والموانئ.
تحوّل السودان إلى ساحة لصراعات إقليمية بالوكالة.
هجرة ونزوح جماعي نتيجة تصاعد الحرب وتعميق الأزمات الإنسانية.
الخاتمة: السودان ليس للبيع
الشعب السوداني الذي قاوم الاستعمار، وأسقط أنظمة دكتاتورية، لن يقف صامتًا أمام تدخلات إقليمية تُريد استنزافه وتفتيته. إن المخطط الإماراتي، وإن بدا مدعومًا بالقوة والمال، إلا أنه يصطدم بإرادة أمة حيّة، ووعي يتنامى في الشارع السوداني.
المطلوب اليوم موقف وطني موحّد، لا يستند إلى الأهواء السياسية أو الولاءات المؤقتة، بل إلى مصلحة السودان العليا. كما أن المجتمع الدولي مطالب بأن يضع حدًا للتدخلات التخريبية، وأن يدعم مسار السلام والانتقال المدني الديمقراطي.
السودان، بتاريخ أبنائه وتضحياتهم، ليس ساحة للبيع ولا للهيمنة، بل وطن جدير بالحياة، والكرامة، والسيادة.
—