الشريعة الإسلامية بين تجاذبات الاسلاميين الفطيرة واليساريين الفقيرة

بقلم : د. بابكر عبدالله محمد علي
بسم الله الرحمن الرحيم
ظلت الشريعة الإسلامية مثارا وجدلا عقيما ومستمرا وكثيفا لم ينته بعد ولم تخرج تلك التداوليات حتي الآن من بين براثن ضعف علماء الأمة الإسلامية وضلالات وجهل وفقر التيارات اليسارية الضالة والملحدة علي حد السواء وخاصة في السودان والعديد من الدول العربية والاسلامية ..ويعزي ذلك لعدة أسباب ابرزها ضعف [[علم التداوليات _ البراغماتية _ الذرائعية ]] (( Pragmatics )) والذي يعرف في علم اللغة التطبيقي [[ Linguistics ]] ويرتبط باهم فروعها وهو علم التداوليات او الذرائعية [[ Pragmatics ]] وخاصة عندما يتداخل مع علم اخر في علم اللغة التطبيقي وهو علم التواصل وسط مجتمعات متباينة الثقافات [[ Intercultural Communication ]] فتضيع معاني ومباني الكلمات بين النيات والمقاصد فيزداد جهل الناس جهل علي جهالتهم وتصبح اللغات الاجنبية حجر عثرة في توصيل معاني ومباني اللغات مع بعضها البعض ولن يستقيم هذا الأمر وينصلح الا بما انصلح به أوله ولا يكون ذلك الا بعودة قوية للغة العربية وسط علمائنا ووعاظنا وائمة الهدي والرشاد علاوة علي معرفة بالعلوم الاخري وكمثال بسيط في فهمنا للفعل المتعدي والفعل اللازم …فاللازم لا يفيد الا صاحبه في عباداته كالصلاة والصيام وغيرها اما الفعل المتعدي هو الذي يتعدي الشخص الي غيره من الناس كالانفاق علي الفقراء والمحتاجين والجهاد في سبيل الله وتطبيق مقاصد الشريعة فهي علي الحاكم لازمة ولغيره من المحكومين متعدية نافعة وللارض والعرض وحفظ الدين والنفس باقية …ويعد.كتاب [ الموافقات ] للعالم الشاطبي الغرناطي …أبرز علماء الأمة الإسلامية والذي كتب في فرع علوم التداول او التداوليات [[ Pragmatics ]] وهو احد أفرع علوم اللغة التطبيقية الهامة والبارزة و يُعدّ كتاب “الموافقات” للإمام أبي إسحاق الشاطبي (ت. 790هـ) من أعظم المؤلفات التي أسّست لفهم عميق ومقاصدي للشريعة الإسلامية من خلال النصوص اللغوية الدالة عليها في القران والسنة النبوية الشريفة ، حيث انتقل من الفقه الجزئي إلى الرؤية الكلية المقاصدية، مما يجعله مرجعًا محوريًا في الأطر المعرفية والتطبيقية للشريعة.
أولًا: الإطار المعرفي للشريعة في “الموافقات”
1. الشريعة مبنية على مقاصد
يرى الشاطبي أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد، وهي حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال. وقد جعل هذه المقاصد أساسًا لفهم الأحكام الشرعية.
2. الاستقراء كمنهج معرفي
اعتمد الشاطبي على الاستقراء التام لاستخلاص القواعد الكلية، وهو بذلك خالف المنهج الجدلي الذي كان شائعًا، وانتقل إلى منهج أقرب إلى المنهج العلمي الحديث. وهو منهج يطابق ويوافي منهج التطبيق العملي الذرائعي ..وكمثال قريب للفهم ان كنت في غرفة شديدة الظلام تقول : الغرفة مظلمة .والمقصد هنا أدر مفتاح الضوء ليعم الغرفة الضياء والنور بدلا عن الظلام ..
3. الوحي والعقل:
ركّز الشاطبي على أن الوحي هو المصدر الأعلى للمعرفة، لكن لا تعارض بين الوحي والعقل، بل العقل أداة لفهم الوحي وضبطه.
4. العرف والعادة
أكّد الشاطبي أن العادة والعرف من أصول الاستنباط، باعتبار أن الشريعة نزلت بلغة العرب وأحوالهم، مما يجعل فهم الواقع ضروريًا لفهم النصوص.
ثانيًا: الإطار التطبيقي للشريعة في “الموافقات”
1. العمل بالمقاصد:
التطبيق العملي للشريعة في رأي الشاطبي يجب أن يكون محكومًا بالمقاصد؛ فلا يُعمل بالنصوص جزئيًا دون النظر إلى مقصودها الكلي.
2. رفع الحرج والتيسير
من أهم الضوابط التطبيقية التي طرحها: رفع الحرج وتحقيق التيسير، وهو ما يستند إلى قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
3. مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينات.
يقسّم الشاطبي المصالح إلى:
ضروريات: لا تقوم الحياة إلا بها.
حاجيات: ما يُرفع به الحرج.
تحسينات: ما يزيد في الكماليات والآداب.
4. مراعاة المآلات:
من المبادئ المهمة عند الشاطبي: اعتبار مآلات الأفعال، أي نتائجها وآثارها، وهو ما يدل على عمق نظره في الفقه العملي.
ثالثًا: أثر “الموافقات” في الفكر الإسلامي
أسّس لمدرسة الفقه المقاصدي.
أثّر في إعادة النظر في الفقه التقليدي نحو فقه أكثر شمولية وواقعية. وكلها روافع ترفع من الفهم الجزئي ليكون فهما كليا متعديا لغيره لا لازما جزئي للفرد في نفسه بل نافعا للجميع والكل . وهذا مفهوم الانتقال من الجزء الي الكل …
أصبح مرجعًا لفقه الأقليات، فقه الواقع، والسياسة الشرعية في العصر الحديث وهذا باب واسع للفكر الراشد لو وسع فيه لعلماء الامة لكفاهم عن الاختلافات التي تباعد بينهم . لقد أحسنت قناة الجزيرة الرائدة في مجال استضافة بعض الشخصيات العلمية المرموقة حينما استضاف الاعلامي البارز / الطفيري قبل أربعة او خمسة سنوات احد العلماء وهو من نصاري دولة فلسطين والذي يعمل أستاذا للفلسفة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية وهو الدكتور / وائل حلاق والذي يقر ويردد دوما ويعترف بأن الحل الوحيد للعالم اجمع هو بتطبيق الشريعة الإسلامية وهي احد مقاصد الدين الإسلامي وخاتمة الرسالات التي بعث بها النبي والرسول الامى محمد.بن عبدالله صلي الله عليه وسلم …ونحن نحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام المباركات…وكل عام وانتم بخير ..
خاتمة:
يمثل كتاب “الموافقات” نقلة نوعية في التفكير الأصولي الإسلامي، فكان الشاطبي يقول : ” العالم مظلم ويعيش في ظلام دامس ، ادر المفتاح لتطبيق الشريعة الاسلامية ليعم النور والضياء ” حيث جمع بين أصالة النص ووعي الواقع، وبين ثبات الشريعة ومرونة التطبيق، مما يجعله مرجعًا أساسيًا لكل دارس أو مهتم بمقاصد الشريعة وتطبيقاتها في حياة المسلمين. ولا يتاتي هذا الفهم الا اذا انفتح علماء الأمة بصورة أعمق واكبر وانكبوا علي كافة العلوم النظرية والتطبيقية بمستويات متقاربة حتي يتفهموا علم المقاصد والنيات…والله الموفق
د.بابكر عبدالله محمد علي
استاذ متعاون جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ..عمادة الجودة والتطوير ..مركز الجودة والتميز..باحث واستاذ مساعد في علم اللغة التطبيقي .