عبدالقادر أبوقرون… سيرة تزكية ومسيرة عطاء

بقلم: بشرى الجوهري
حين يكتب التاريخ عن الرجال الذين وهبوا أعمارهم لخدمة القيم والضمير الجمعي، فإن اسم عبدالقادر عبدالرحمن أبوقرون يبرز شامخًا بين أولئك الذين آمنوا بأن بناء الإنسان أسمى من تشييد الحجر، وأن تزكية المجتمع تبدأ من تزكية النفس.
عرفت الرجل في مواقفه قبل أن ألتقيه في حضوره؛ ففي كل عملٍ للمجلس الأعلى للحسبة وتزكية المجتمع، كانت بصمته ظاهرة: الهدوء الحكيم، والرؤية الواضحة، والقدرة العجيبة. لم يكن الواعظ الذي يخطب من بعيد، بل كان الذي يمشي بين الناس، يسمع آهاتهم، ويشاركهم همومهم، ويغرس فيهم الأمل بأن الإصلاح لا يتحقق بالشعارات، بل بالصدق والعمل.
إن عبدالقادر أبوقرون لم يكتفِ بإدارة مؤسسة ذات طابع ديني أو رقابي، بل جعل منها منبرًا للتزكية، بالمعنى القرآني العميق للكلمة. كانت الحسبة في فكره ليست مجرد محاسبة، بل تربية، وكانت تزكية المجتمع في رؤيته ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة أخلاقية لنهضة الأمة.
وفي زمنٍ تتراجع فيه القيم أمام ضجيج المظاهر، جاء أبوقرون ليذكّرنا أن صلاح المجتمع يبدأ من الداخل، من صفاء القلوب ونقاء النيات، وأن أعظم إصلاح هو الذي لا يُرى في العناوين، بل يُحسّ في سلوك الناس وأمانتهم.
ما يميّزه حقًا هو تواضعه الجمّ. يجلس إلى الصغير قبل الكبير، ويمنح كل من حوله شعورًا بأن الخير ممكن، وأن الإصلاح ليس مهمة نخبوية بل واجب جماعي. وفي كل لقاء معه، يخرج المرء بإحساسٍ أن الكلمات ليست دروسًا، بل تجارب حياة.
لقد استطاع عبدالقادر أبوقرون أن يحوّل المجلس الأعلى للحسبة وتزكية المجتمع إلى مدرسةٍ للتجديد القيمي والفكري، تتعامل مع الواقع بعقلٍ منفتح وروحٍ مؤمنة. وجعل من الدعوة إلى الفضيلة عملاً راقيًا لا يعرف القسوة ولا الإقصاء، بل يرتكز على الرحمة والموعظة الحسنة.
ولأن القيم لا تُفرض بل تُزرع، فقد غرس أبوقرون في كل من عمل معه بذور الإخلاص والانتماء، حتى غدت رسالته امتدادًا في نفوس كثيرة تؤمن بأن المجتمعات تُصلح بالقدوة لا بالسلطة، وبالمحبة لا بالرهبة.
سيبقى أثره حاضرًا في مؤسسات المجتمع، وفي قلوب من لمسوا عطاءه. فالرجل الذي عاش يحمل همّ الأمة، رحل أو سيغيب يومًا جسدًا، لكن فكره باقٍ ما بقيت القيم التي نادى بها.






