خــالــد محمــد الباقـــــر يكتب : عــلـى نـــار هادئــــــــــة الوجه الكالح : محن الوطن تُسقط مساحيق الزيف

رأي: خطوة برس
⭕ إنَّ المحن العاتية والظروف القاصمة التي اجتاحت بلادنا مؤخرًا لم تكن مجرد اختبار للمَنَعة، بل كانت كشفًا صريحًا لأسوأ ما تختزنه دواخلنا. لقد أزالت الغطاء عن الضغائن الدفينة، والعنصرية المستحكمة، والنفاق الاجتماعي، وسوء المعشر، والانتهازية المقيتة، وغياب الحس الوطني. وبذلك، تجلَّى أننا مجتمع تآكلت مبادئه الضابطة، وغاب عنه الضمير اليقظ الذي يرتقب السلوك. وبمرارة، أثبتت هذه الفتنة أنَّ المودة بيننا ضئيلة، وأنَّ المتمسكين بالأخلاق هم قلة قليلة استثناها اللُطف الإلهي.
⭕ لقد تجرد السودانيون من رداء التصنع في خضم هذه الحرب التي استخرجت كل سواد كامن وأظهرت الموبقات المشار إليها. كيف يستسيغ العقل أن يقدم الجار على الوشاية بجاره، ذاك الذي تقاسَم معه مائدة العيش ومرارة الفجيعة وبهجة المناسبات؟ والأشد فظاعة هو تصديق وقوع السرقة من الجار لجاره، بل وتوصية المعتدين خيرًا بمن كان يفترض فيهم حماية ذمارهم.
⭕ ولم يقتصر الأمر على وحشية المعتدي؛ بل امتد ليطال استغلال المكلومين والنازحين. فمَن فرّ بجلده من جحيم الجنجويد وسعارهم، ليجد ملاذه في مناطق “آمنة” نسبيًا، لم يجد سوى جولة جديدة من القسوة والانتهازية. لقد تسلَّط تجار الأزمات والسماسرة عديمي الضمير على حاجات الهاربين الماسة، فاستنزفوا مدخراتهم القليلة في بحثهم عن مأوى، وكأنهم يجهزون على مَن نجا بصعوبة. وأظهرت المعاملة القاسية التي تلقاها بعض النازحين على يد سكان المناطق الآمنة وجهًا قبيحًا من الطبقية والتجرد الإنساني، وكأنَّ الألم لا يكفي ليوقظ نخوة أو شفقة.
⭕ ثمَّة فئة باعت ذممها وأهلها ابتغاء حظوظ دنيوية من عَرَض المتمردين الزائل، مستسهلةً بذلك العمالة والخيانة والارتزاق. إنَّ هذا السواد الكثيف الذي طغى على أعماقنا هو ما أفضى بنا إلى واقعنا الأليم؛ من نزوح مهين وكسر للكرامة. هذا الضعف الأخلاقي هو ما أغرى الخونة والعملاء على استباحة بيوتنا ونهب مُدخراتنا وخبراتنا، فصار مصيرنا أن نكون من سكان الملاجئ وطالبي الإيواء، بعد أن كنا سادة في أوطاننا.