منوعات

تنتشر فيها الأسواق وتزخر بالمعالم السياحية المدينة التي صهرت كل الملل والأعراق

الخرطوم:إيهاب بشير

أمدرمان المدينة الأنثي التي تعُد في نظر قاطنيها أجمل مدن العالم قاطبة وهو الأمر الذي يثير إسٍتياء وسخط الكثيرين من أبناء المدن السودانية الأخرى ناهيك عن مدن الخرطوم أو الخرطوم بحري فهي تتفرد بأنها المدينة السودانية الوحيدة التي مجرد مايسكنها الشخص سرعان مايحس بالإنتماء اليها وينفعل ويتفاعل مع ناموسها الحياتي بسرعة كبيرة ومذهلة بل ينبري الشخص مدافعاً عنها وعن أهليها ولو إجتهد أبناء المدن الأخرى لخبروا سر تفرد أمدرمان بهذه الخصوصية, الاسم (أم درمان) قديم في تاريخه،وقد يرجع إلى ما يعرف (بعصر العنج) السابق لعصر الفونج في القرن السادس عشر الميلادي بالسودان، و تتعد الروايات في تفسير معنى الاسم وأصله ولعلّ أكثرها رواجاً تلك التي تتحدث عن أمراة تنتمي إلى أسرة مالكة كانت تسكن المكان الذي قامت عليه المدينة بالقرب من ملتقى النيلين الأبيض و الأزرق ، وكان لها ولداً اسمه (درمان) وكانت تسكن منزلاً مبنياً من الحجر ومحاط بسور متين ظلت أثاره باقية حتى عهد قريب في حي (بيت المال) الحالي، وإلى أم هذا الولد نُسب اسم المكان. وثمة رواية أخرى مماثلة تقول بأن المرأة هي التي كانت تسمى درمان وأن منزلها كان مكان آمناً بسبب ما يحيط به من سور وكانت المرأة تلقب بأنها أم دار الأمان، والذي تحرف وأصبح أم درمان، وهنالك رواية ثالثة تذهب إلى أن أمدرمان (بفتح الهمزة والميم) لفظ عربي قحطاني الأصل ويعني المرتفع من الأرض وسميّ به المكان للدلالة على طبيعته الطبوغرافية المتمثلة في أرتفاعه عن البرين الآخرين اللذين تقع فيهما مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري الحاليتين. ولأم درمان اسم آخر قديم هو (وشل) ويعني المكان الكثير الماء. وقد أطلق عليها المهدي بعد أن أتخذها عاصمة للدولة اسم البقعة الطاهرة. عندما سقطت الخرطوم عاصمة العهد التركي في السودان على يد الأمام محمد أحمد المهدي في يناير / كانون الثاني 1885 م، وقتل حاكم السودان آنذاك غوردون باشا، كان معسكر المهدى في منطقة إبي سعد بأم درمان، ورفض المهدي أن يتخذ من الخرطوم عاصمة له فوقع اختياره على أم درمان لتكون عاصمة دولته الجديدة، وقد قيل في اختياره لموقع أم درمان بأنه كان قد خرج مع جماعة من أصحابه وهو على جمل أطلق له العنان فسار به الجمل إلى شمال إبي سعد حتى برك في الموقع الذي توجد فيه الآن قبة المهدي (ضريح المهدي)، فبنى عليها المهدى حجرة من الطين.ولما توفي دفنه أصحابه في حجرته تلك تمشياً بما فعله صحابة النبي محمد (ص) في المسجد النبوي بالمدينة المنورة.
ووفقاً للمؤرخ السوداني الدكتور إبراهيم أبوسليم فإن أم درمان شهدت مزيداً من التوسع في عهد الخليفة عبد الله التعايشي حيث شيّدت المنازل بالطين والآجر والحجر لتحل مكان تلك التي كانت مشيّدة بالقش (الحشائش الجافة وجريد النخيل) والجلود ،وبدأت أم درمان تتحول إلى مدينة، بعد أن كانت معسكراً للمهاجرين من اتباع المهدي إلذين توافدوا إليها في سنة 1885 م وهي السنة نفسها التي توفي فيها المهدي. وبنى الخليفة عبد الله التعايشي بيت المال، مقر الخزانة العامة للدولة، والسجن العام المسمي (بالساير). وبعد عامين قام بتشييد الطابق الأرضي من منزله بمواد بناء أحضرها من الخرطوم، وفى العام الذي تلاه أسست بيت الأمانة، وهو عبارة عن مخزن كبير للسلاح ومعدات الحرب،(دار الرياضة حالياً) كما قام بتشييد “قبة المهدى” لتكون ضريحاً يضم رفات المهدي. وبدأ بعد ذلك في بناء سور المدينة الذي أحاط بمركز المدينة حيث قبة المهدى ومنازل الخلفاء وحراس الخليفة والمرافق العامة للدولة. وفى سنة 1889 م تمت أحاطة المسجد الجامع بسور عظيم. وبلغ طول المدينة بين طابية (حصن) أم درمان وحتى حي شمبات (في الخرطوم بحري) شمالاً وجنوباً حوالي ستة(6) أميال، فيما بلغ عرضها شرقاً وغرباً حوالي ميلين. ويعود تمّدد المدينة من حيث الطول لمساقات بعيدة إلى تحبيذ السكان إقامة منازلهم ومتاجرهم على ضفاف نهر النيل. وقُدّر عدد السكان قبل وصول المهاجرين من اتباع المهدي من غرب السودان ما بين 15 (خمسة عشر) و 20 (عشرون)ألف نسمة، فيما وصل العدد إلى 400 (أربعمائة) ألف نسمة بحلول عام 1895م. ويقترن اسم أم درمان بمعركة أم درمان الشهيرة التي وقعت على مشارف المدينة، ودارت رحاها بين قوات المهدية بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي وقوات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل الذي كان وقتئذ ضابطاً في الجيش، وألف فيما بعد كتابه المشهور ” حرب النهر” عن انطباعاته في تلك الفترة.
قبل فترة من الزمن علق الدكتور عبد الله حمدنا الله عن أمدرمان قادحاً فيها ووصفها بالمدينة المصنوعة وهو الأمر الذي جلب عليه سخط وغضب الكثيرين وتحضرني هنا حادثة كنت شاهد عيان فيها أيام المعتمد طيب الذكر الأستاذ عبد القادر محمد زين الذي أمر بأن تقوم فعالية أمدرمان تقود الثقافة وكون لها عدد من اللجان كنت من ضمن هذه الكلية التي أقامت هذه التظاهرة الثقافية في أمدرمان والتي إشتملت علي عدد من المناشط والفعاليات التي إنتظمت المحلية وكان الختام بدار الرياضة بامدرمان وحادي الأمسية الفنان الكبيررحمه الله الأستاذ عبد الكريم الكابلي متحدثاً ومغنياً كما هناك فقرة للدكتور عبد الله حمدنا الله متحدثاً عن المدينة ومفنداً وجهة نظره في كونها مدينة مصنوعة ونحن في كامل إصغائنا له وكل منا يجتهد في أن يلتقط من حديثه مايرده عليه ويقوم بتفنيده ورد الإعتبار لإمدرمان أمنا وفجأة إذا بيد تشدني من كتفي وتطلب مني أن أقوم بإيصالها للمسرح وكانت طيبة الذكر الراحلة حواء الطقطاقة وتربطني بها معرفة وثيقة فهي تعرف أسرتي كلها رحمها الله ولم أملك الإ مرافقتها وعندما وصلنا للمسرح إذا بها تستند عليّ وترفع عصاتها وتهوي بها علي الدكتور وهو الشيئ الذي لم أكن أنا أو غيري نضعه في الإعتبار أو الحسبان وصاحبت العصي عدة تعابير منها تؤكد بها أن أمدرمان لاتتشرف بمن لايعرف تاريخها وحدث هرج ومرج وأخذت الراحلة تنتفض كما الأسد الجريح وهي تصيح(فكونى) مع العلم أن الراحلة ليست من مواليد المدينة إنما سكنت فيها منذ قدومها ,اضحت لاتقبل فيها أي شيئ الي أن قبرت فيها رحمها الله هذا أنموذج وما أكثرها من نماذج عشق ووله سكان أمدرمان بمدينتهم.
تفرد أمدرمان وتميزها إكتسبته من الكم العرقي والإثني الذي إحتوته بين أحشائها وصهرتهم في بوتقتها وأضحوا بين عشية وضحاها هم حداتها وعارفي فضلها سكنتها كل القبائل السودانية بإختلاف مشاربها والوانها وطقوسها وناموس حياتها الأشراف والحلفاوين والمحس والدناقلة والشوايقة والرباطاب والجعليين والعبدلاب والعبابدة من الشمال ومن الشرق الحلنقة والخاسا والبجا والهدندوة والبني عامر ومن الغرب النوبة والبقارة والمسيرية والبني هلبة والتاما والفور والقٍمر والبقارة والتعايشة و الزغاوة والحمّر قطنها من الجنوب الشلك والنوير والدينكا والتبوسا والفرتيت والزاندي علاوة علي الجموعية وبطون قبائلها أهلها وسكانها الأصليين ومن الخارج الأقباط الشرقيين والمسيحيين الكاثوليك والأرثوزكس والبروتستانت واليهود والبوزيين والهنود والأتراك والشوام والتشاديين والفلاته والسنغاليين والمصريين والمغاربة والمواليد الذين يشكلون خليط كل هؤلاء الأجناس سكنوها تجاوروا فيها وإحتوتهم بكل حنان والمعروف أن أمدرمان بدأت في الظهور منذ العام 1885م كما أسلفنا مع الثورة المهدية وقد إتخذها الأمام محمد أحمد المهدي عاصمة له ولدولته الفتية وشهدت أمدرمان بعد ذلك أي بعد إنحسار المد المهداوي بهزيمة جيش الخليفة وعودة الإستعمار أحداث كبيرة ومؤثرة وحتي ماتبقي من الثورة المهدية وإرثها المتمثل في الأمام عبد الرحمن المهدي إستقر بها وإتخذها نقطة إنطلاق لحياته ونشاطه الذي توجه بقيام حزب الأمة ومنها بدأت شرارة ثورة اللواء الأبيض في العام 1924 م وفي ثلاثينيات القرن الماضي شهدت أم درمان نشوء حركة وطنية سياسية تمثلت في مؤتمر الخريجين الذي طالب الحكم الثنائي الاستعماري بمنح السودانيين حق تقرير المصير وتمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة. وقيام الجمعيات الثقافية مثل جمعيات الهاشماب والشوقست والفيلست الأدبيات علاوة علي جمعية الأبروفيين وهي جمعيات أثرت في المشهد الثقافي والفكري والأدبي والنضالي ضد المستعمر ومنتدي فوز الذي يعد أول صالون أدبي في التاريخ بإعتبار أنه قام قبل قيام صالون مي زيادة بعدد من السنوات بقيادة معاوية نور ومحمد احمد محجوب وعبد الحليم محمد والدرديري محمد عثمان وعلي نور وخليل فرح وعلي عبد اللطيف و عرفات أحمد عبد الله وأدريس داش ومحمد داش وعبد الله عشري الصديق ومحمد عشري الصديق وظهرت فيها حركة المسرح بفرقة أبن عمدة أمدرمان محمود عباس رحمة الله وظهرت حركة مسرحية في نادي الزهرة الأمدرماني وقام المعهد العلمي بها ونشط فيها التعليم الأهلي بواسطة بابكر بدري ومدارس المليك وقامت فيها أول الأندية الرياضية في السودان نادي الموردة ومن ثم الهلال والمريخ أو المريخ والهلال بعد إنشقاق تيم عباس المكون الأول الذي ضمهما وبعد ذلك قامت الإذاعة السودانية هنا أمدرمان في مايعرف بسوق الموية آنذاك ببث مباشر من البوسته أمدرمان ومن بعد قام المسرح القومي في أمدرمان وأنشأ التلفزيون في مباني فندق المسرح القومي كأول تلفزيون في القارة الأفريقية قبل تلفزيون مصر الجارة كل هذه الأشياء جعلت من المدينة عاصمة كاملة التفاصيل ونشطت فيها تجارة المواشي وصناعة الأحذية ومدابغ الجلود والحبوب وصناعة وصيانة السفن النهرية وصناعة الغزل وتفرقت فيه القبائل أيدي سبأ فتجد فيها أحياء مهنية أي يسكنها أصحاب المهن الواحدة مثل العتالة والقصابين والتجار والنقادة والصرماتية أي صناع الأحذية حتي المتسولين الذين كان أغلبهم لايبصر فسمي حي العمايا من الناحية التجارية، تعج أم درمان بالأسواق الكبيرة الزاخرة بمختلف أنواع البضائع، وهي تشكل أيضاً سوقاً للسلع المصدرة إلى ولايات غرب السودان. وتعد مركزاً لتجارة المواشي خاصة الإبل والضأن، وتجارة المصوغات الذهبية والحرف اليدوية والتوابل والبقوليات. وبها مجموعة من المصارف التجارية، وبها منطقة صناعية تقع المنطقة الصناعية للمدينة والتي تضم عدداً من المصانع الخفيفة وورش والصناعات الغذائية والتحويلية وصيانة الآليات والمركبات ومخارط المعادن ومعظمها يقع في المنطقة الصناعية بأمدرمان. ومن أبرز اسواق أم درمان : سوق أم درمان الكبير، وأسواق امدفسو، وام سويقة، وسوق الطواقي(للطواقي والكوفيات التقليدية والعمائم)، وسوق العناقريب (لصناعة الأسرة التقليدية) ودلالة الشهداء(للمزدات) وسوق ليبيا (للسلع الواردة من ليبيا)، وسوق الفراد (للملابس والمنسوجات) وسوق الصياغة (للذهب والمجوهرات ومستلزمات الأعراس، كالحناء والبخور والمباخر والإكسسوارات الفضية التقليدية)، وسوق الدباغة (للجلود) وسوق الخضر والفاكهة والتوابل والبقوليات، وسوق الحرفيين حيث صناعة الأحذية والأحزمة والحقائب الجلدية المصنوعة من جلود التماسيح والثعابين الكبيرة، وهي صناعة باتت تواجه مشاكل تهددها بالانقراض بسبب وارادت الأحذية الأرخص ثمناً من دول مثل الصين والهند وسورية وإيطاليا وبسبب القوانين المشددة التي تحظر صيد التماسيح والثعابين الكبيرة وغيرها من الحيوانات البرية المحمية. وإلى جانب هذه الأسواق التقليدية توجد أسواق للسلع العصرية ومن بينها السوق الشعبي لمختلف السلع، وعدد آخر من الأسواق المغلقة(البازارت). وتشكل هذه الأسواق المتجاورة في موقعها إلى جانب دورها الاقتصادي في المدينة، معلماً سياحياً مهماً فيها. كما قامت فيها أسواق لهذه المنتجات فتجد أسواق العناقريب وأسواق النقادة واسواق الجلود وأسواق المواشي وسوق العيش الذي يضم كل أنواع الذرة وسوق السمك أم درمان مدينة سياحية من الطراز الأول، فهي تقع على مرمى حجر من الخرطوم، وتتميز بصناعاتها التقليدية، إلا أن أهم ما يميزها سياحياً هي حلقات الدراويش وعروض الإنشاد والمدائح والتي تجذب السواح من الغرب خاصة من الدول الإسكندنافية.ومن المعالم السياحية متحف بيت الخليفة؛ وهو المنزل الذي كان يقيم فيه الخليفة عبد الله التعايشي والمواقع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عهد الدولة المهدية منذ عام 1881 م ومنها بوابة عبد القيوم -وهي بقايا سور المدينة الذي كان يحيط بها في الفترة ما بين 1885 م و1898 م.كما توجد في أم درمان آثار “الطابية” وهي عبارة عن موقع حصين مبني من الصخور الصلبة وكان يحتمى به قناصة جيش المهدى ومدفعيته لصد أي هجوم يأتي من جهة النيل.
ومن المعالم السياحية الأخرى مسجد النيلين الذي افتتح في عهد الرئيس جعفر محمد نميري ويعتبر واحداً من المعالم المعمارية المميزة في السودان، فقد تم بناء المسجد على شكل صدفة عملاقة عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق وشُيّد تنفيذاً لفكرة تصميم مشروع تخرج لطالب من كلية الهندسة والمعمار بجامعة الخرطوم في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وهو أول مبنى في السودان يتم تشييده من قواطع الألمنيوم وبدون اعمدة تسند السقف ،إذ يتصل السقف بالأرض مباشرة تماما كالصدف الغزو البريطانية تحت قيادة اللورد هربرت كتشنر وضمت في صفوفها . كل هذه الأحياء والأسواق شكلت في مجملها ونواميس حياة قاطنيها من القبائل والملل المختلفة الكيمياء والفيزياء التي يتفاعل بها الساكن ومعها وتظهر في تفاصيل حياتهم وإفتخارهم وتباهيهم بإمومتها لهم الأحياء الأمدرمانية سنستعرضها في مقبل الأيام لكل حي من أحياء أم درمان قصة، فالعديد منها تم تأسيسه إبان عهد المهدية، والكثير منها أنجب شخصيات بارزة في تاريخ السودان السياسي والفكري والثقافي، من حكام وفنانين وعسكريين وغيرهم. وشهدت هذه الأحياء نشوء وترعرع الحركات السياسية والفنية. وعن ابرز هذه الأحياء مواقعها وأبرز ساكنيها فالكتابة والحديث عن أمدرمان يحلو ويطول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى