مبارك المغربي عاشق النيل… ورمز الأغنية السودانية

بقلم : إيهاب بشير
ستاتي الذكرى الثانية والاربعين للشاعر الكبير مبارك المغربي واظن لن ينتبه اليها أحد في التاسع من يونيو القادم ونحن لازلنا نرزح في الفوضي ونيران الحرب اللعينه والموت والدمار وفقد الامن والامان ومبارك المغربي رحمه الله حري بنا أن نحتفي به ونخصص له الليالي لذكر فضله وتميزه ونبوغه في العطاء علي الصعيد الانساني وتوثيقه لمسيرة الغناء والموسيقي السودانية فهو يعد من المبرزين والأفذاذ في مدرسة الشعر الغنائي في بلادنا الغنية بالمواهب من ذلك الجيل، الذي ساهم باستمرار في إثراء التجربة بإبداعاته وتعبيراته المتنوعة في محيط الغناء، ومع تقدم الأيام بدأ أعلام في الشعر الغنائي بلغوا شأناً عظيماً ومتقدماً في سلسلة التواصل الابداعي للأجيال المتعاقبة، حتى كاد النقاد وعامة الناس يشيرون إلى أناس بمسميات عهود بعينها بين هؤلاء يأتي اسم الشاعر الراحل مبارك المغربي. ولد المغربي في أم درمان الموردة في العام1928 ذلك الحي الرابض كالأسد الهصور على ضفة النيل الأبيض الغربية .. في طمأنينة ودعة سببــــها أنها كانت وما تزال ملتقـــى للكثيرين من الناس ذوي النشاط الاجتماعي والرياضي والاقتصادي والوطني والسياسي ثم هي قد أنجبت الكثيرين من الأدباء والشعراء والموهوبين في مجالات عدة ومتعددة المشارب. والدته زينب ابنة عمر السنوسي العمرابية شاعرة مجيدة والده صالح محمود المغربي نشأ في بيت علم وأدب كانت له صلات واسعة بأدباء الأمة العربية كتب عدد من المقدمات لدواوين شعراء من الشباب وأخذ بيدهم كان شاعرا فذا وكاتبا في مجالات عدة لحّن بعض قصائده الغنائية بعد تخرجه عمل بمصلحة البريد والبرق عمل مدرساً بمدرسة البريد والبرق أصبح عميداً بمصلحة السجون كما عيّن قاضياً بالدرجة الأولى ومن ثم صار أميناً للمجلس القومي لرعاية الآداب والفنون أسهم مع رفاقه الشعراء في تطوير الأغنية السودانية من خلال عطائه الغنائي كتب بالصحف والمجلات داخل السودان وخارجه. قضي كل مراحله الدراسية في أم درمان دواوينة الشعرية هي
عصاؤ قلب (1954) وألحان الكروان (1960) ومع الاصدقاء (1960) ومن أناشيدي (1970) ومن الوجدان (1980 ) وحداء الاستقلال (1981).
اتسمت تجربته الأدبية شاعراً وأديباً وباحثاً بسمو الفكرة ونصاعة البيان وذلك ما تحدث عنه في تقديم ديوان المغربي الأول الذي صدر في عام 1954م. الشاعر والروائي المصري عزيز أباظة، وتقف مقدمة أباظة لديوان المغربي (عصارة قلب) على رأس أميز المقدمات في ساحة الشعر السوداني، وفي صدر هذا الديوان ينوه المغربي بمسارات اتجاهه الشعري وأغراض تناولاته في قصيدة قدم بها الديوان شعراً وترك لعزيز أباظة مهمَّة تقديمه نثراً، كان قد جاء على سياقات نسق أدبي عالٍ، هذا وقد قال المغربي في صدر ديوانه هذا .
, أسرة المغربي ذات شهرة في مجال الإعلام المسموع والمرئي .. ومن ذا الذي لا يعرف أسماء ليلى المغربي وسهام المغربي وهيام المغربي وسناء المغربي في عالمي الإذاعة والتلفزيون؟ بل من الذي لا يعرف اسم شاعرنا المقصود الحديث عنه ، الشاعر مبارك المغربي هو شاعر أمدرماني أصيل، نشأ وترعرع في أكثر الاحياء ارتباطاً بالمكونات الحية لمدينة أمدرمان، وهو إلى جانب ذلك يتسم شعره بوطنية فريدة وجزالة ورهانة، وهو من ذلك الجيل الذي كان يردد ارضي هنا بناء جدودي ومأوى أبي وتاريخ شعب كريم أبي…الخ. تميّز شعر مبارك المغربي ببراعة الألفاظ وتعدد الصور الشعرية، بالإضافة إلى التغني للطبيعة والنيل والجمال، والزائر لميناء سواكن يجد تلك القصيدة العصماء الموجودة أمام بوابة الميناء العريق التي سطرها يراع مبارك وصارت مفخرة لكل أهل الشرق، والتي صور فيها الشاعر السوداني مبارك المغربي والذي عمل ضابطا في سجن سواكن قبل عشرات السنين فأحزنه موت الحضارة أو فلنقل إنتحارها البطيء فسطر قصيدته (ذكرى سواكن)، وجاء فيها:
حي الطلول البالية واسكب دموعك غالية
هذي سواكن قد بدت مثل العروس الباكية
إني وقفت على البِلى أرثي الذرا المتداعية
هل من جديد مشرق يحيي الرفات الفانية؟
ويعيد مجداً قد مضى إذا العزائم ماضية
فاذكر على مـر الزمان شعور نفس وافية
لـو يفتـدى ذاك التراث فـديته بحيـاتــــــية
كما تغنّى لمبارك الفنان رمضان زايد بتلك الأغنية الشهيرة (أنا ليتني زهر في خدك ناعم). الفنان سيد خليفة قطف كذلك من بستان المغربي أغنية (أرض الحبيب) واغائية الخالدة كانت من نصيب الفنان الطيب عبد الله. ولمبارك محطة وطنية تغنى فيها الفنان الكبير العملاق صلاح ابن البادية بعنوان (حب الأديم) ما عشقتك لجمالك… أنت آية من الجمال ما هويتك لخصالك… أنت أسمى الناس خصال الفؤاد دائماً بنادي… في اقترابي وفي ابتعادي ليه لأنك من بلادي شلت من النيل صباه… من جمال النيل بهاه من رهيد البردي لوحة… من نخيل الباوقة نفحة الطبيعة حنت عليك… خلدت بصماتها فيك كما غني الفنان الراحل عبد الدافع عثمان لخاله الشاعر الراحل مبارك المغربى و الذي خصص له معظم اغنياته منها- لحن الكروان- مرت الايام- ياملاكى- اعتذار- سبب الجفا “غير مسجلة بالاذاعة” ولم تقتصر حياته علي قرضه الشعر فهو موسيقي متفرد لحن عدد كبير من الأغنيات التي تغني بها الفنانين السودانين وفي بعض الحالات كان يوهب الحانه للفنانين متنازلاً عنهم لها مثلمث حدث مع أبن أخته الراحل الفنان عبد الدافع عثمان الفنان صاحب الصوت الجميل وليس لانه أبن اخته وطلب منه أن ينسب معظم هذه الألحان إلى نفسه ولكن لأمانة هذا الفنان وصدقه اباح بهذا السر واعترف في لقاء بمجلة فضاءات 2008 أن اغنية يا ملاكى وأغنية اعتذار لحن الكروان هي اغنيات لحنها مبارك المغربى وهذه ليست ألحانه رغم أنه لحن الكثير من أغنياته الخالدة ومعروف أن الشاعر مبارك المغربي يقدم الغناء جاهز “لحن ونص” مثل دهاقنة وأساطين الغناء السوداني عبد الرحمن الريح ومثل محمد عوض الكريم القرش. ومبارك المغربى هو صاحب أعظم واروع الاغنيات السودانية يمتلك مبارك المغربي مثلاً من الأغنيات – الباسم الفتان لـ عثمان الشفيع – مرت الأيام عبد الدافع – ليتى زهر لرمضان زائد – حب الأديم “ماعشقتك لى جمالك” صلاح ابن البادية – ارض الحبيب للطيب عبد الله – من اريج نسمات الشمال و من بعيد “عبد العزيز محمد داود – سحرتني الجزيرة الخير عثمان – سائل مالك عبد الله الكردفانى – وردة لمنى الخير وأغنية مرت الأيام ظلت تردد حتي الأن وستظل الي أيام قادمات فقد غناها الفنان حمد الريح ومن بعده أبنه الفنان القادم الحارث حمد الريح وغناها أيضاً الفنان مصطفى سيد أحمد رحمه الله والفنان سيف الجامعة وحتى ناشئة الفنانين في برنامج نجوم الغد يغنونها كما تغنيها فهيمة عبد الله وهي أغنية متجددة ظلت حية في وجدان الشعب السوداني وذاكرة السودانيين وقد لحنها عربى الصلحى وكتبها مبارك المغربى على نظم أو نهج الموشحات الأندلسية وقد سبق و حلل الدكتور الموسيقار انس العاقب هذه الاغنية تحليلا علميا دقيقا عبر برنامجه في الاذاعة السودانية من روائع الغناء السوداني كان الراحل متفاعلاً مع كل الأحداث وتجود قريحته مع كل الأحداث فقد نعي الشاعر الأديب عبد الله حامد الأمين عندما سمع خبر وفاته إثر حادث حركة قائلاً رد الفعل المباشر لوفاة أديبنا الكبير فقد كان من الشاعر الراحل مبارك المغربي الذي فاجأ الجميع وأنشد:
نعاك وليت الذي نعاك إلي
أحس بوقعه القاسي علي
ذكاء المرء محسوب عليه
وعبد اللَّه صدقني ذكـــــــــيا
رحم اللَّه الجميع رفد مبارك المغربي المكتبة السودانية بكتابه الذي أصبح مرجعاً لكل الباحثين في شأن الأغنية السودانية (رواد شعراء الأغنية السودانية )والذي تناول فيه سيرة كل رواد الأغنية السودانية في فترتي الحقيبة والأغنية الوترية و من إنتاجه الأدبي النثري
(من الحصاد)، (المخطئ الصغير)، (تجاربي في السجون)كما له مسرحية بعنوان
(راجل من أهل الجنة)ومن إنتاجه الصوفي ملحمة بعنوان
(إليك المتاب) وهي مطبوعة. توفي وقبر بمقابر حمد النيل في التاسع من يونيو من عام 1982والاغرب أن لايحتفي بذكراه لاوزارة الداخلية أو الإذاعة السودانية أو إتحاد شعراء الأغنية السودانية في السنوات الماضية.






