تقارير

الحقائق كما هي .. الجواز السوداني بين منطق الواقع وسهام التشويه

قراءة موضوعية في قضية "التزوير" والهجوم على الإدارة العامة للجوازات والهجرة

تقرير : وعد الحق أمين

في ظل التحولات العاصفة التي تمر بها الدولة السودانية بعد عامين من الحرب، تبقى المؤسسات النظامية والأمنية هي الجبهة الأمامية التي تُقاس بها قدرة الدولة على البقاء. ومن بين هذه المؤسسات، تُعد الإدارة العامة للجوازات والهجرة واحدة من آخر الجسور المتبقية بين المواطن ووثيقته الرسمية، وبين الدولة ونظامها السيادي.

لكنّ هذه المؤسسة، التي أثبتت فاعليتها رغم تعقيدات المرحلة، ونجحت في الحفاظ على انتظام خدمة الجوازات، تجد نفسها اليوم هدفًا لهجوم إعلامي غير مسبوق، يروّج لوجود “تزوير في الجوازات السودانية”، وتورّط “بعض الضباط”، وسط تسريبات مبهمة وتأويلات مثيرة للشك ، وبين ضجيج الروايات، يبقى من المهم العودة إلى منطق الحقائق.

*أولاً: ما طبيعة القضية الفعلية؟*

وفق المعلومات المؤكدة حتى الآن، فإن القضية التي أُثيرت مؤخرًا لا تتعلق بتزوير الجواز السوداني كما تم تصويرها، بل تتصل بشبكة إجرامية تعمل على تهريب مهاجرين عبر تزوير تأشيرات واختام دخول وخروج على جوازات سفر أجنبية، خارج المنظومة الرسمية. وبحسب ذات المصادر، فإن الجهة التي اكتشفت المؤشرات الأولى لهذه الشبكة هي الإدارة العامة للجوازات نفسها، عندما اشتبه النظام الإلكتروني في تأشيرات لم تتطابق مع قواعد البيانات.

ثانياً: كيف تعاملت إدارة الجوازات؟

بعد اكتشاف أولى الحالات، تم تشكيل فريق تحقيق مختص داخل الإدارة، تتبّع التفاصيل، وقاد إلى الكشف عن وجود شبكة تمتد عبر الحدود وتعمل بالتعاون مع أفراد من الداخل ، تم ضبط أكثر من 20 أجنبيًا، وضبط مستندات مزوّرة، وفتح بلاغات قانونية ضد أطراف متعددة، من بينهم أجانب، سودانيون، وأفراد من جهات شرطية يُشتبه في تورّطهم بتسهيل استخراج تأشيرات “توفيق أوضاع” بصورة غير قانونية.

هذه المعطيات تشير إلى أن الجهة التي كشفت الجريمة وقادت التحقيق ليست متواطئة، بل هي فاعلة ومبادرة.

ثالثاً: ما مدى دقة الاتهامات حول “تزوير الجواز السوداني”؟

حتى اللحظة، لم يتم ضبط أي جواز سفر سوداني مزوّر ضمن هذه القضية ، ولم تُشر البيانات الرسمية إلى اختراق لأنظمة إصدار الجوازات أو طباعة وثائق سودانية خارج النظام ، فالجواز السوداني يخضع لمواصفات تأمينية عالية ومعايير تقنية دقيقة، تجعل تزويره من داخل المنظومة أمرًا شبه مستحيل. وبالتالي، فإن الحديث عن “تزوير الجواز” يبدو مبنيًا على تأويل متعمد أو خلط متسرّع للوقائع.

رابعاً: أسئلة منطقية تفرضها المرحلة

أمام هذه المعطيات، تبرز جملة من الأسئلة الموضوعية التي يجب التوقف عندها: لماذا يتم توجيه الحملة إلى الجواز السوداني، بينما لم يُثبت تزويره من الأصل؟ و لماذا لم تُبرز الروايات الإعلامية أن إدارة الجوازات كانت هي الجهة التي كشفت الشبكة؟ بل لماذا تصاعدت هذه الحملة بعد فترة من نجاحات واضحة للإدارة في ضبط المنافذ الحدودية؟

هل هنالك جهات متضررة من استمرار النظام الإلكتروني الأمني للجوازات في أداء دوره؟ومن يقف خلف تسريب المعلومات المجتزأة، ولمصلحة من تم ذلك في هذا التوقيت تحديدًا؟

خامساً: بين الشفافية والانضباط

ظهور أفراد نظاميين ضمن التحقيقات لا يعني تورّط المؤسسة، بل يؤكد أنها تملك أدوات مساءلة ذاتية، وتتعامل بجدية مع كل حالة، دون محاباة أو حصانة. فالمؤسسات القوية ليست تلك التي لا تخطئ، بل تلك التي تكشف الخلل وتعالجه وفق القانون. والإدارة العامة للجوازات، بما قامت به من كشف وتحقيق وفتح بلاغات، تؤكد أنها تعمل ضمن نهج انضباطي محترف، يراعي القانون والمصلحة العامة.

ختاماً: من وراء الحملة… وماذا يريد؟

لا يمكن الجزم بوجود جهة واحدة خلف الحملة، لكن التسريبات الموجّهة، والتغطيات المشوهة، واللغة التصعيدية المستخدمة، تدفع للشك بأن هناك جهات تسعى لتقويض ثقة المواطن في المؤسسات النظامية، وفي مقدمتها الجوازات ، قد تكون الأسباب سياسية، اقتصادية، أو حتى متعلقة بمصالح شبكات تهريب، لكن المؤكد أن استهداف الجواز السوداني ليس مجرد صدفة، بل هو محاولة متكررة للنيل من رمزية وثيقة لا تزال تحظى بموثوقية داخلية وخارجية.

0 اخيرا .. ستظل الإدارة العامة للجوازات والهجرة – رغم الضجيج – واحدة من مؤسسات الدولة التي ينبغي دعمها لا التشكيك فيها. لأننا في هذه المرحلة لا نملك ترف تحطيم ما تبقّى، بل نحتاج إلى صيانته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى